فصل: ومن باب التخيير بين الأنبياء صلوات الله عليهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب النهي عن سب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عَوانة أو أبو معاوية عن الأعمش، عَن أبي صالح، عَن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
قال الشيخ: النصيف بمعنى النصف كما قالوا الثمين بمعنى الثمن قال الشاعر:
فما طار لي في القسم إلا ثمينها

وقال آخر:
لم يعدها مد ولا نصيف

والمعنى أن جهد المقل منهم واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه أوفى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم.

.ومن باب استخلاف أبي بكر رضي الله عنه:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: «لما استُعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة فقال مروا من يصلي بالناس فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبًا، فقلت يا عمر قم فصل بالناس فتقدم فكبر، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، قال وكان عمر رجلا مجهرًا، قال فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون، فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس».
قال الشيخ: يقال استعز بالمريض إذا غلب على نفسه من شدة المرض. وأصله من العز وهو الغلبة والاستيلاء على الشيء، ومن هذا قولهم من عزُ بزّ، أي من غلب سلب.
وقوله وكان رجلًا مجهرًا أي صاحب جهر ورفع لصوته يقال جهر الرجل صوته، ورجل جهير الصوت وجهير المنظر، وأجهر إذا عرف بشدة جهر الصوت فهو مجهر.
وفي الخبر دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: «يأبى الله ذلك والمسلمون» معقول منه أنه لم يرد به نفي جواز الصلاة خلف عمر فإن الصلاة خلف عمر رضي الله عنه ومن دونه من المسلمين جائزة، وإنما أراد به الإمامة التي هي دليل الخلافة والنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام بأمر الأمة بعده.

.ومن باب التخيير بين الأنبياء صلوات الله عليهم:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو، يَعني ابن يحيى عن أبيه، عَن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُخيِّروا بين الأنبياء».
قال الشيخ: معنى هذا ترك التخيير بينهم على وجه الإزراء ببعضهم فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والإخلال بالواجب من حقوقهم وبفرض الإيمان بهم، وليس معناه أن يعتقد التسوية بينهم في درجاتهم فإن الله سبحانه قد أخبر أنه قد فاضل بينهم فقال عز وجل: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} [البقرة: 253].
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي، عَن أبي عمار عن عبد الله بن فرَّوخ، عَن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع».
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن قتادة، عَن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى».
قال الشيخ: قد يتوهم كثير من الناس أن بين الحديثين خلافًا وذلك أنه قد أخبر في حديث أبي هريرة أنه سيد ولد آدم والسيد أفضل من المسود.
وقال في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى، والأمر في ذلك بين ووجه التوفيق بين الحديثين واضح؛ وذلك أن قوله: «أنا سيد ولد آدم»، إنما هو إخبار عما أكرمه الله به من الفضل والسؤدد وتحدث بنعمة الله عليه وإعلام لأمته وأهل دعوته مكانه عند ربه ومحله من خصوصيته ليكون إيمانهم بنبوته واعتقادهم لطاعته على حسب ذلك، وكان بيان هذا لأمته وإظهاره لهم من اللازم له والمفروض عليه.
فأما قوله في يونس صلوات الله عليه وسلامه فقد يتأول على وجهين: أحدهما أن يكون قوله: «ما ينبغي لعبد» إنما أراد به من سواه من الناس دون نفسه.
والوجه الآخر أن يكون ذلك عامًا مطلقًا فيه وفي غيره من الناس ويكون هذا القول منه على الهضم من نفسه وإظهار التواضع لربه يقول لا ينبغي لي أن أقول أنا خير منه لأن الفضيلة التي نلتها كرامة من الله سبحانه وخصوصية منه لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بحولي وقوتي فليس لي أن أفتخر بها وإنما يجب علي أن أشكر عليها ربي، وإنما خص يونس بالذكر فيما نرى والله أعلم لما قصه الله تعالى علينا من شأنه وما كان من قلة صبره على أذى قومه فخرج مغاضبًا ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.
قلت: وهذا أولى الوجهين وأشبههما بمعنى الحديث فقد جاء من غير هذا الطريق أنه قال صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنبي أن يقول إني خير من يونس بن متى فعم به الأنبياء كلهم فدخل هو في جملتهم، وقد ذكره أبو داود في هذا الباب.
قال: حَدَّثنا عبد العزيز بن يحيى حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن حكيم عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل إن قوله: «أنا سيد ولد آدم» إنما أراد به يوم القيامة حين قُدم بالشفاعة وسادهم بها.

.ومن باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة الأولى:

قال أبو داود: حدثنا مسدد ومسلم بن إبراهيم قالا: حَدَّثنا حماد عن علي بن زيد عن الحسن، عَن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي «إن ابني هذا سيد واني أرجو أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين».
قال الشيخ: السيد يقال اشتقاقه من السواد أي هو يلي الذي يلي السواد العظيم ويقوم بشأنهم، وقد خرج مصداق هذا القول فيه بما كان من إصلاحه بين أهل العراق وأهل الشام وتخليه عن الأمر خوفًا من الفتنة وكراهية لإراقة الدم ويسمى ذلك العام سنة الجماعة.
وفي الخبر دليل على أن واحدًا من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام إذ قد جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين، وهكذا سبيل كل متأول فيما تعاطاه من رأي ومذهب دعا إليه إذا كان فيما تناوله بشبهة وإن كان مخطئًا في ذلك، ومعلوم أن إحدى الفئتين كانت مصيبة والأخرى مخطئة.

.ومن باب الرد على المرجئة:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون، يَعني شعبة أفضلها قول لا إله إلاّ الله وأدناها إماطة العظم عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان».
قال الشيخ: قوله: «بضع» ذكر أبو عمر، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى أحسبه عن ابن الأعرابي قال: يقال بضع فيما بين الثلاثة إلى تمام العشرة ونيف لما زاد على العقد من الواحد إلى الثلاثة.
قلت: وفي هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء له أعلى وأدنى، فالاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها، والحقيقة تقتضي جميع شعبها وتستوفي جملة أجزائها كالصلاة الشرعية لها شعب وأجزاء والاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها ويدل على ذلك قوله: «الحياء شعبة من الإيمان» فأخبر أن الحياء إحدى تلك الشعب.
وفي هذا الباب إثبات التفاضل في الإيمان وتباين المؤمنين في درجاته.
ومعنى قوله: «الحياء شعبة من الإيمان» أن الحياء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها فصار بذلك من الإيمان إذ الإيمان بمجموعه ينقسم إلى ائتمار لما أمر الله به وانتهاء عما نهى عنه.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني أبو جمرة قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان بالله، قال أتدرون ما الإيمان بالله قالوا الله ورسوله أعلم، قال شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان؛ وأن تعطوا الخمس عن المغنم».
قال الشيخ: قد أعلم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الصلاة والزكاة من الإيمان وكذلك صوم رمضان وإعطاء خمس الغنيمة، وكان هذا جوابًا عن مسألة صدرت عن جهالة بالإيمان وشرائطه فأخبرهم عما سألوه وعلمهم ما جهلوه وجعل هذه الأمور من الإيمان كما جعل الكلمة منه وليس بين هذا وبين قوله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله» خلاف لأنه كلمة شعار وقعت الدعوة بها إلى الإيمان لتكون إمارة للداخلين في الإيمان والقابلين لأحكامه؛ وهذا كلام قصد فيه البيان والتفصيل له، والتفصيل لا يناقض الجملة لكن يلائمها ويطابقها.
وقوله: «فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها» يتضمن جملة ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ويأتي على جميع ما ذكر فيه من الخلال المعدودة إلى سائر ما جاء منها في سائر الأحاديث المروية في هذا الباب وكلها تجري على الوفاق ليس في شيء منها اختلاف، وإنما هو حمله على الوجه الذي ذكرته لك وتفصيل لها على المعنى الذي يقتضيه حكمها والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا سفيان، عَن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة».
قال الشيخ: التروك على ضروب منها ترك جحد للصلاة وهو كفر بإجماع الأمة. ومنها ترك نسيان وصاحبه لا يكفر بإجماع الأمة، ومنها ترك عمد من غير جحد، فهذا قد اختلف الناس فيه فذهب إبراهيم النخعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر. وقال أحمد لا نكفر أحدًا من المسلمين بذنب إلاّ تارك الصلاة. وقال مكحول والشافعي تارك الصلاة مقتول كما يقتل الكافر ولا يخرج بذلك من الملة ويدفن في مقابر المسلمين ويرثه أهله، إلاّ أن بعض أصحاب الشافعي قال: لا يصلي عليه إذا مات.
واختلف أصحاب الشافعي في كيفية قتله فذهب أكثرهم إلى أنه يقتل صبرًا بالسيف. وقال ابن شريح لا يقتل صبرًا بالسيف لكن لا يزال يضرب حتى يصلي أو يأتي الضرب عليه فيموت، وقالوا إذا ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها قتل، غير أبي سعيد الاصطخري فإنه قال: لا يقتل حتى يترك ثلاث صلوات، واحسبه ذهب في هذا إلى أنه ربما يكون له عذر في تأخير الصلاة إلى وقت الأخرى للجمع بينهما.
وقال أبو حنيفة وأصحابه تارك الصلاة لا يكفر ولا يقتل ولكن يحبس ويضرب حتى يصلي، وتأولوا الخبر على معنى الإغلاظ له والتوعد عليه.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر قال: وأخبرني الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: «أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رجالًا ولم يعط رجلًا منهم شيئًا، فقال سعد رضي الله عنه يا رسول الله أعطيت فلانًا وفلانًا ولم تعط فلانًا شيئًا وهو مؤمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو مسلم حتى أعادها سعد ثلاثًا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول أو مسلم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أعطي رجالًا وأدع من هو أحب إلي منهم لا أعطيه شيئًا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم».
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر قال: قال الزهري: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}، قال نرى الإسلام الكلمة والإيمان العمل.
قال الشيخ: ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة، فأما الزهري فقد ذهب إلى ما حكاه معمر عنه واحتج بالآية، وذهب غيره إلى أن الإيمان والإسلام شيء واحد، واحتج بالآية الأخرى وهي قوله: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} [الذاريات: 35] قال فدل ذلك على أن المسلمين هم المؤمنون إذ كان الله سبحانه قد وعد أن يخلص المؤمنين من قوم لوط وأن يخرجهم من بين ظهراني من وجب عليه العذاب منهم، ثم أخبر أنه قد فعل ذلك بمن وجده فيهم من المسلمين إنجازًا للموعد، فدل الإسلام على الإيمان فثبت أن معناهما واحد وأن المسلمين هم المؤمنون. وقد تكلم في هذا الباب رجلان من كبراء أهل العلم وصار كل واحد منهما إلى مقالة من هاتين المقالتين ورد الآخر منهما على المتقدم وصنف عليه كتابًا يبلغ عدد أوراقه المائتين.
قلت: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق على أحد الوجهين. وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنًا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمنًا في بعضها والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنًا، وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات واعتدل القول فيها ولم يختلف عليك شيء منها، وأصل الإيمان التصديق وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد فقد يكون المرء مستسلمًا في الظاهر غير منقاد في الباطن ولا يكون صادق الباطن غير منقاد في الظاهر.
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة حدثنا واقد بن عبد الله أخبرني عن أبيه أنه سمع ابن عمر رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
قال الشيخ: هذا يتأول على وجهين: أحدهما أن يكون معنى الكفار المتكفرين بالسلاح يقال تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه فكفر به نفسه أي سترها، وأصل الكفر الستر، ويقال سمي الكافر كافرًا لستره نعمة الله عليه أو لستره على نفسه شواهد ربوبية الله ودلائل توحيده.
وقال بعضهم معناه لا ترجعوا بعدى فرقًا مختلفين يضرب بعضكم رقاب بعض فتكونوا بذلك مضاهين للكفار فإن الكفار متعادون يضرب بعضهم رقاب بعض والمسلمون متآخون يحقن بعضهم دماء بعض.
وأخبرني إبراهيم بن فراس قال: سألت موسى بن هارون عن هذا فقال هؤلاء أهل الردة قتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال أبو داود: حدثنا أبو صالح الأنطاكي حدثنا أبو إسحاق، يَعني الفزاري عن الأعمش، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد».
قال الشيخ: الخوارج ومن يذهب مذهبهم ممن يكفر المسلمين بالذنوب يحتجون به ويتألونه على غير وجهه، وتأويله عند العلماء على وجهين: أحدهما أن معناه النهي وإن كانت صورته صورة الخبر يريد لا يزن الزاني بحذف الياء ولا يسرق السارق بكسر القاف على معنى النهي يقول إذ هو مؤمن لا يزني ولا يسرق ولا يشرب الخمر فإن هذه الأفعال لا تليق بالمؤمنين ولا تشبه أوصافهم.
والوجه الآخر أن هذا كلام وعيد لا يراد به الإيقاع وإنما يقصد به الردع والزجر كقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وقوله: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، وقوله: «ليس بالمسلم من لم يأمن جاره بوائقه»، هذا كله على معنى الزجر والوعيد أو نفي الفضيلة وسلب الكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان وإبطاله والله أعلم.
وقد روي في تأويل هذا الحديث معنى آخر وهو مذكور في حديث رواه أبو داود في هذا الباب قال:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سويد الرملي حدثنا ابن أبي مريم أنبأنا نافع، يَعني ابن يزيد أخبرني ابن الهاد أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة فإذا انقلع رجع إليه الإيمان».